لفظ (الذكر) من الألفاظ المتواترة الحضور في القرآن، فقد ورد هذا اللفظ في مئتين وثمان وستين موضعاً (268).
جاء في مئة وأربعة وخمسين موضعاً بصيغة الفعل بتصريفاته المتنوعة، من ذلك قوله سبحانه: {وذكر الله كثيرا} (الأحزاب: 21).
وجاءت أكثر صيغ الأفعال وروداً في القرآن صيغة الأمر، نحو قوله سبحانه: {واذكروا الله} (البقرة: 103)، حيث وردت هذه الصيغة في واحد وثلاثين موضعاً.
وورد لفظ (الذكر) بصيغة الاسم وبتصريفات متنوعة في مئة وأربعة عشر موضعاً، من ذلك قوله تعالى: {ذلك نتلوه عليك من الآيات والذكر الحكيم} (آل عمران: 58).
نسعى في هذه السطور إلى تتبع أهم المعاني التي ورد عليها لفظ (الذكر)، مستبقين ذلك بوقفة عاجلة لبيان معنى هذا اللفظ لغة.
قال أهل اللغة: مادة (ذكر) تدل على أصلين، يتفرع عنهما كل معانيها، الأول: الذكر الذي هو مقابل الأنثى. والثاني: الذكر الذي هو خلاف النسيان. والأصل الثاني هو الأكثر وروداً في القرآن، وهو الذي عليه مدار حديثنا هنا.
والأصل الأول ورد في القرآن على نحو أقل، كقوله تعالى: {وليس الذكر كالأنثى} (آل عمران: 36)، وهذا الأصل لمعنى الذكر خارج عن نطاق حديثنا.
أما المعاني التي ورد عليها لفظ (الذكر) في القرآن الكريم، فهي على النحو التالي:
الذكر بمعنى (ذكر اللسان)، من ذلك قوله سبحانه: {فإذا قضيتم الصلاة فاذكروا الله قياما وقعودا وعلى جنوبكم} (النساء: 103)، وقوله تعالى: {اذكروا الله ذكرا كثيرا} (الأحزاب: 41). فالمقصود بلفظ (الذكر) في هاتين الآيتين ونحوهما: كل ذكر ورد بحقه سبحانه، كالتحميد، والتكبير، والتهليل ونحوها. وأكثر لفظ (الذكر) في القرآن جاء على هذا المعنى.
الذكر بمعنى (العبرة والعظة)، من ذلك قوله سبحانه: {فلما نسوا ما ذكروا به} (الأنعام: 44)، أي: ما وُعِظوا به. ومنه قوله تعالى: {وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين} (الذاريات: 55). و(الذكر) على هذا المعنى كثير في القرآن أيضاً.
الذكر بمعنى (التذكر)، من ذلك قوله تعالى: {والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله} (آل عمران: 135)، يعني بذلك: ذكروا وعيد الله على ما أتوا من معصيتهم إياه، فسألوا ربهم أن يستر عليهم ذنوبهم بالصفح عنهم، وعدم معاقبتهم عليها. ونحو ذلك قوله سبحانه: {واذكر في الكتاب مريم} (مريم: 16).
الذكر بمعنى (الطاعة)، من ذلك قوله تعالى: {فاذكروني أذكركم} (البقرة: 152)، أي: أطيعوني فيما أمرتكم به ونهيتكم عنه، أُثبكم بالأجر والمغفرة. وهذا على أحد التفسيرين للآية.
الذكر بمعنى (القرآن)، من ذلك قوله سبحانه: {وهذا ذكر مبارك أنزلناه} (الأنعام: 50)، أي: هذا القرآن الذي أنزلناه إلى محمد صلى الله عليه وسلم ذكر لمن تذكر به، وموعظة لمن اتعظ به. ومن هذا القبيل قوله سبحانه: {ما يأتيهم من ذكر من ربهم محدث إلا استمعوه وهم يلعبون} (الأنبياء: 2)، فالمراد بـ (الذكر) هنا: القرآن.
الذكر بمعنى (الحفظ)، من ذلك قوله تعالى: {خذوا ما آتيناكم بقوة واذكروا ما فيه} (البقرة: 63)، قال القرطبي: تدبروه، واحفظوا أوامره ووعيده، ولا تنسوه، ولا تضيعوه. ونحوه قوله سبحانه: {واذكروا نعمة الله عليكم} (آل عمران: 103)، أي: احفظوا ما أنعم الله عليكم من نعم، ولا تضعوها في غير موضعها المشروع.
الذكر بمعنى (الشرف)، من ذلك قوله تعالى: {وإنه لذكر لك ولقومك} (الزخرف: 44)، أي: إن هذا القرآن الذي أوحي إليك يا محمد، لشرف لك ولقومك من قريش. ومن الآيات التي فُسر (الذكر) فيها بمعنى (الشرف)، قوله تعالى: {لقد أنزلنا إليكم كتابا فيه ذكركم} (الأنبياء: 10)، قال بعض المفسرين: عنى بـ {الذكر} في هذا الموضع: الشرف.
الذكر بمعنى (الخبر)، من ذلك قوله سبحانه: {هذا ذكر من معي وذكر من قبلي} (الأنبياء: 24)، أي: إن القرآن تضمن خبر الأولين والآخرين. ومنه قوله تعالى: {قل سأتلو عليكم منه ذكرا} (الكهف: 83)، أي: خبر من قبلكم.
الذكر بمعنى (شرع الله)، من ذلك قوله تعالى: {ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا} (طه: 124)، ونحوه قوله سبحانه: {ومن يعرض عن ذكر ربه} (الجن: 17)، فـ (الذكر) المتوَعَّدُ بالإعراض عنه هو شرع الله، وشرع الله: كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.
الذكر بمعنى (العذاب)، من ذلك قوله تعالى: {أفنضرب عنكم الذكر صفحا} (الزخرف: 5)، أي: أفنترك عذابكم، ولا نعاقبكم على إسرافكم وكفركم. وهذا اختيار الطبري في معنى الآية. وقيل المقصود بـ {الذكر} هنا: القرآن.
الذكر بمعنى (الوحي)، من ذلك قوله تعالى: {فالتاليات ذكرا} (الصافات: 3)، قال السدي: الملائكة يجيئون بالكتاب، والقرآن من عند الله إلى الناس. وعلى هذا المعنى قوله تعالى: {فالملقيات ذكرا} (المرسلات: 5).
الذكر بمعنى (التوراة والإنجيل)، من ذلك قوله تعالى: {فاسألوا أهل الذكر} (النحل: 43)، روي عن مجاهد عن ابن عباس رضي الله عنهما، أن المراد بـ {أهل الذكر} هنا: أهل الكتاب.
الذكر بمعنى (اللوح المحفوظ)، من ذلك قوله سبحانه: {ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر} (الأنبياء: 105)، قال سعيد بن جبير: {الذكر}: الذي في السماء، وهو بمعنى قوله تعالى: {وعنده أم الكتاب} (الرعد: 39).
الذكر بمعنى (البيان)، من ذلك قوله تعالى: {والقرآن ذي الذكر} (ص: 1)، قال ابن عباس رضي الله عنهما ومقاتل: معنى {ذي الذكر}: ذي البيان.
الذكر بمعنى (الصلوات المفروضة)، من ذلك قوله تعالى: {رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله} (النور: 37)، وقوله تعالى: {لا تلهكم أموالكم ولا أولادكم عن ذكر الله} (المنافقون: 9)، فالمراد بـ (الذكر) في الآيتين: الصلوات المفروضة. وهذا على قول في تفسير الآيتين.
الذكر بمعنى (صلاة بعينها)، من ذلك قوله سبحانه: {فقال إني أحببت حب الخير عن ذكر ربي} (ص: 32)، عن قتادة والسدي أن المراد بـ (الذكر) في هذه الآية: صلاة العصر. وقال تعالى: {إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله} (الجمعة: 9)، روي أن (الذكر) هنا: صلاة الجمعة.
تلك هي أهم المعاني التي ورد عليها لفظ (الذكر) في القرآن، وهي معان مستفادة في أغلبها إما من آثار مروية في تفسير الآيات التي ورد فيها لفظ (الذكر)، وإما مستفادة من السياقات القرآنية التي ورد فيها هذا اللفظ، وهذا ملحوظ لمن تتبع معاني هذا اللفظ في كلام المفسرين.
المصدر: موقع إسلام ويب